تقع قرية السحل في عمق صحراء الغرب العراقي، وهي منقطعة عن العالم منذ أكثر من قرن من دون كهرباء ولا ماء ولا مستوصف، ويعيش سكانها الذين لا يتجاوزون مئتي عائلة حياة بدائية تعتمد على الزراعة والرعي، ولم يسبق أن رأوا من العالم سوى قاعدة عسكرية. اما أقرب مستشفى للقرية، فيبعد نصف ساعة عنها، وليس في هذه البقعة القاحلة المحاطة بتلال صخرية على أطراف وادي حوران في محافظة الأنبار، سوى مدرسة ابتدائية وليس فيها حلّاق حتى. وعند المرور بالطريق المتعرج والوعر المؤدي إلى القرية، ترى منازل متفرقة بسيطة بأبواب حديدية فيما اختفت الشبابيك عن أغلب جدرانها، ومشهد أطلال حجارة غيّر الزمن لونها. وبين الحين والآخر، تظهر سيارة قديمة وآليات زراعية أكل عليها الدهر وشرب. وللتواصل مع العالم الخارجي، يكتفي سكانها بهواتف جوالة قديمة، لأنّ شبكة الانترنت والهواتف الذكية، لم تجد طريقها بين غبار الصحراء إليهم بعد. وفي حديث إلى وكالة الصحافة الفرنسية، يروي أبو مجيد وهو أبرز وجهاء القرية ويبلغ من العمر 70 عاماً، قائلًا: "قريتنا عمرها أكثر من مئة سنة وطوال هذه السنين وهي بدون كهرباء ولا ماء ولا مركز صحي". ويضيف وهو يشير بيده إلى الحقول القاحلة من حوله "نعيش حياة بدائية بسيطة". وللتزود بالماء، يستخدم الأهالي مضخة ديزل لسحبها من بئر في باطن الأرض، ويجمعونها بعد ذلك في بركة محاطة بحجر مغطى بالأسمنت، تشرب منها أغنامهم ويحملون بعضاً منها إلى منازلهم. بين منازل القرية التي تبعد أكثر من 250 كيلومترًا عن العاصمة بغداد، حظائر صغيرة لجمع الأغنام محاطة بأسوار معدنية، فيما يندر أن يتجول سكانها في الخارج. ولم يذهب أبو مجيد سوى مرة واحدة في حياته إلى بغداد، قبل نحو 20 عاماً. اما العادات والتقاليد المحافظة، فما زالت حاضرة بشدة في هذه البقعة من صحراء العراق، إذ تحدثت أم مجيد مع الزوار الرجال من خلف باب منزلها، لتشكو النقص في الخدمات الطبية والكهرباء. فالقرية غير متصلة بشبكة الكهرباء التي يعدها سكانها شكلاً من الرفاهية، رغم أن العراقيين عموماً في أرجاء أخرى من البلاد يعانون من انقطاعها لساعات طويلة يومياً. ويعتمد السكان على مولدات كهرباء بسيطة وقديمة للإنارة وتشغيل التلفزيون لساعات قليلة فقط. وتقول أم مجيد: "أبناؤنا محرومون من الرعاية الصحية ومن التلفزيون إلا لساعة أو اثنتين من فترة لأخرى". من جهته، يروي راعي الأغنام الشاب مهدي أنه في "إحدى المرات، قتلت اثنتان من أغنامي برصاص عندما كنت في مرعى مجاور للقاعدة تزامنا مع تدريب في ميدان رماية". ويضيف بحسرة "لا نعرف غير الرعي والزراعة لكسب العيش"، فيما يعمل آخرون في استخراج الصخور المستخدمة في البناء. وليساعد مهدي البالغ من العمر 17 عاماً أهله في رعاية مواشيهم، ترك دراسته في المدرسة الابتدائية الوحيدة في القرية وتضم ستة صفوف تكاد لا تكفي لاستقبال أطفال قرية السحل. ويقول: "ليس عندنا غير مدرسة ابتدائية، لا شيء غيرها". ويؤكد قطري كهلان العبيدي، أحد المسؤولين المحليين في ناحية البغدادي التي تتبع لها قرية السحل، أن "القرية تعاني من نقص في الخدمات". وتحدث العبيدي في الوقت نفسه عن وجود مشاريع من المزمع القيام بها لتأمين كهرباء وبناء محطة تصفية مياه للقرية، داعيًا المنظمات الحكومية والإنسانية لتقديم الدعم من أجل بناء مركز صحي لأهالي ق?