حينَ يسكن الألم الجسد يرفُض المرء التعايُش، و عندما يكونُ الألم في الذهن مثلَ روماتيزمٍ في غطاء الرأس، يكونُ الحِس الهجوميَّ كاسراً، من الصعب ترويضه، وهو أكثر إيلاماً من ذلكَ الذي يُمزق لحمهُ من أجل الإحساس أكثر بأنهُ كائنٌ حي، في خطِ التأريخ، كذلكَ في سياق الأدب و الواقع نشهَدُ أُناساً يتألمون، إذا ترجمنا الألم لما يقولهُ، تجريداً من صاحبهِ، فهو الشعور بالإنسحاق تحتَ طلب المُساعدة التي تفرُضها المِحنة الوجودية، لأنَ الألم يُغطي الذات حتى تُعلنَ حِدادها المؤقت، هناكَ عدد وافر من الأشخاص يأخذونَ مواردهم الداخلية و يسدونَ حاجة الخواء الباطني بما يعتقدونهُ لا ما يراه المُختَص أو الطبيب من عُقدٍ نفسية أو ارهاصات عصابية، برُغم تطور الطِب و علم النفس و تزايُد المُسكنات، كذلكَ شيوعها في الأماكن التي تُباع فيها، يحتلُ مُسكنٌ هامَ في التأريخ و العقل أهميةً أكبر، "المسيح، الحُسين، الصلاة، القرآن، لوقا"،
العذاب بإعتباره حضوراً مباشراً للموت :
"حين يلم الألم بالناس لا يتصور أحد أنهُ دائم، فإنبثاقه يعني أن فعلاً طبياً سيقضي عليه عاجلاً أم آجلاً"
- (هلبرت 1984)،
وإلا فإنه يصبح غير قابل للتعقُل ويدخُل الفوضى للوجود، وحينَ يُعلن الألم عن نفسه للمرة الأولى لا يتَصور أحد أنهُ في مطلع تجربة لا يعلم مخرجاً منها شهوراً أو سنوات بعد ذلك، إن ألماً غير قابل للعلاج، يُتابع وجودهُ يوماً بعد يوم، هو صورة للامُحتمل، فوسائل الطب تغدو عاجزةً أمامه، والمَوارد الثقافية والشخصية تغدو غير ملائمة، وقيمُ المجاهدة والصبر تتحطم شيئاً فشيئاً أمامَ عذابٍ أليم يفشل الأطباء في وقفهِ، بالرغم من فحوصهم ومؤهلاتهم، يُحس المريض نفسه معزولاً لأنهُ يجد نفسه وحيداً أمام تجربة تفككهُ ولا يملك أحد نصائح أو مساندة إزاءها،
الألم المُزمن، مثل أي مرضٍ طويل الأمد، يرمي بالشخص خارج الرابطة الاجتماعية، بوضعية إعتبارية صعبة لأن ذلك الشخص يُصبح مخرجاً بهمومه التي لا تنتهي، ويجعل مخاطبيه عاجزين أمام محنتهِ، تندرج تجربة الألم، بالكثير من التوتر، داخل نسيج عائلي، وهي تتطلب التضامن وتبني إيقاعاً تكونُ سرعته نابعة من الشخص العليل،
الألم يحبس الزمن ويحرم الفرد من توقعاته ومن مفاجآته، ويرسم سياجاً في الزمن عليه، مع الإحساس بأنهُ متورط فيه بشكل نهائي حتى لو إستمر في الصراع والبحث عن حلول، الفرد هُنا يوجد في فوضى الزمن، وهو لا يوجد في المُدة الزمنية وإنها في الإستمرار الملح للألم، إنهُ يرى نفسه محروماً من المستقبل، محكوماً بتكرار الشيء نفسه، العذاب يُجمد سيولة الزمن ويمنح الإحساس للفرد بأنه يوجد أمام جدار من العجز، والفُقدان يكون الماً سبق، أي وجود يُضفي عليه النقصان الحاضر طابعاً مثالياً،
الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو، أثناءَ بحثه عن التشكُلات اللحظية للشيء، لاحظَ أنَ في نهاية القرن الـ18 أنَ المرض إنفصلَ عن رؤية الميتافيزيقية لهُ، كذلكَ إنفصلَ عن كونهِ شراً أو مساً ربانياً، كتبَ ميلان كونديرا "الشخص الذي يتعرضُ للعقاب لا يعرفُ سببَ عقابه، فعبثية العقاب لا تُحتمل إلى حد أن المُتَهم لكي يعثر على الأمان عليهِ أن يُبرر مُصابه، لأن العقاب عادةً يبحثُ عن الخطيئة"،
- المقال كاملاً
https://t.me/mohalesawi/439