المقدمة: دستور أبو خشبة
من تحتِ لبنانَ الكبير وبعدَه صيغةُ الثلاثةِ والأربعين والميثاقُ الوطنيُّ في الطائف سُمعَ أنينُ الدساتير القديمةُ منها والمُعدلّة واهتزّت الموادُّ عن بَكرةِ صانعيها فكلُّ الاجتهاداتِ القانونيةِ والتفسيراتِ والتأويلاتِ لم يَسبِقْ أن وصَلت الى حدٍّ قلبت فيه الموادُّ رأساً عن غضب كما فعلَ رئيسُ مجلسِ النواب نبيه بري فالرجلُ ارتكبَ واجترحَ تفسيراتٍ لا تستندُ الى أيِّ كتاب لكنّ التاريخَ سيذكرُها غداً كبيّنةٍ وسابقة وقد تدخُلُ في خانةِ دُستورِ أبو خشبة أو قانونِ الأرانب أو صيغةِ صاحب "الكِم" القديرة ويقومُ دُستورُ بري الحديثُ على مبدأِ المقايضة والدَينِ وإستعارةِ الزمنِ النيابي فإذا ما حَذف الرئيسُ شهراً من ولايةِ مجلسِ النواب وجمّد أعمالَه التشريعية بإمكانِنا أن نَستردَّ الشهرَ ونمدِّدَه ونضيّفَه على الزمنِ النيابيّ وخيرُ هذا بشرِّ ذاك سكناك أيها الرئيس فمَن هَداهُ إالى هذهِ الفتوى وألبسَها لَبوسَ الدستور؟ كيف استندَ إلى فقهاءَ فرنسيين قبلَ قرنٍ وتسعةَ عَشَرَ عاماً إستَشهدَ بري بالعالِمِ بيير أوجيه وبواقعةٍ استنبطَها مِن عامِ ألفٍ وثمانِمئةٍ وتسعةٍ وتسعين عندما استردَّ البرلمانُ الفرنسيُّ خمسةَ عَشَرَ يوماً كانت في ذمةِ البرلمانِ السابق وعليه قرّر رئيسُ مجلسِ النواب أن يستعيدَ الشهرَ الذي جمّده رئيسُ الجُمهورية وما يُدمي القلبَ والعقلَ أنّ نبيه بري محامٍ ومشرّعٌ منذ أكثرَ مِن خمسٍ وعِشرينَ سنة، ووزيراً للعدل سابقاً أي إنّه ليس عابرَ طريقٍ مِن أمامِ الدساتير وبناءً عليه فقد أصبحت مشكلةُ بري معَ الدُّستورِ نفسِه وليسَت معَ رئيسِ الجُمهوريةِ ميشال عون وهذا الدستورُ واضحٌ لا يحمِلُ التأويل ويقولُ في مادّتِه الحاديةِ والثلاثين إنّ كلَّ اجتماعٍ يَعقِدُه المجلس ُفي غيرِ المواعيدِ القانونية يُعَدُّ باطلاً حكماً ومخالفاً للقانون وإذا كان رئيسُ المجلس نبيهاً لهذهِ المادة فأيُّ سببٍ دفعَه إلى اتّباعِ فنونِ السحرِ الدُّستوريّ؟ هي على الأرجح عرقلةٌ للدورةِ الاستنثائيةِ نفسِها التي لا يبدو أنّ الرئيسَ ميشال عون سوف يقدّمُها هديةً لبري كي يظفَرَ بالحلّ ولن تفتحَ الدورةُ قبلَ الخامسِ مِن حَزِيرانَ موعدِ الجلسةِ التي استَبقت دورتَها ولن يمنحَ عون رئيسَ المجلسِ كذلك أيَّ فرصةٍ للعبِ بالنِّصابِ وسَوقِ النوابِ الى التمديد تحتَ التهديد بالفراغ أما حديثُ بري عن عدمِ الاستجابة للضغوطِ إلا للشعبِ اللبنانيّ فقد فقد لمَسَ هذا الشعبُ كيف تمّتِ الاستبجابةُ لرَغَباتِه عندما جرى التمديدُ لمجلسِ النوابِ مرتين وكان الشعبُ شاهداً على حَمَلاتِ شرطةِ مكافحةِ الشعب عندما خرَجَ المواطنونَ للاعتراض فاستقدمَ لهم رئيسُ المجلسِ الشرطةَ الجاهزةَ بسطواطيرِها وأخشابِها وخراطيمِ مياهِها وحتى لا نَبخَسَ على رئيسِ المجلس حقاً وطنياً فإنّ مقاربتَه لموضوعِ نقلِ المقاعدِ النيابية كانت العبارةَ المفيدةَ الوحيدةَ في مؤتمرِه الصِّحافيّ فالنقلُ هو فرزٌ مذهبيٌّ طائفيّ يفرّقُ الناسَ ويمنعُ التنوّعَ ويقيمُ الحواجزَ بينَ الأقضية ِوالمدُن أما البقية فهذيانُ ما قبلَ نهايةِ الولاية وكلامٌ في الهواء يشهدُ عليه نقيبُ الهوى الحاضرُ منتحلاً صفةَ الصِّحافة.