تميم البرغوثي : أعقل بكثير

2020-07-03 1

تميم البرغوثي : أعقل بكثير

كان جايُس يولويوس قيصر أغسطس جيرمانيكُس، رابعَ حكامِ روما المطلقينَ بعدَ يوليوسْ قيصر الأصلي، وأكتاويانوس، وتيبيرياس، وكان طفلا بعدُ من أطفال الأمراء يرافق أسرته معسكر على الحدود، حين ألبسته أمه زيا مصغرا لجنود الجيش الروماني، ومنَ الزيِّ الحذاءُ العسكريُّ المسمَّى «كاليغا»، وأنت اليوم تسميه في مصرَ «البِيَادة» وفي بَرِّ الشَّامِ «البُسطار». ولما كانَ الأميرُ جايُس هَذَا صَغِيرَ السِّنِّ والحَجْمِ فَقَدْ صَنَعَتْ لَهُ أُمُّهُ حِذَاءً عَلَى مَقَاسِهِ، أَسْمَاهُ النَّاسُ «كاليغولا»، أي الكاليغا الصغيرة. ثم ما لَبِثَ أن أَطْلَقَ الجُنُودُ الرومانُ لَقَبَ «كاليغولا» على الأمير ِنَفْسِهِ حَتَّى صارَ اللقبُ ألصقَ به مِنَ اْسْمِهْ. فكانَ أولَ ملكٍ يُسَمَّى بِحِذِائِهْ!
وحين فتح الله على الأمير ِوأصبحَ إِمْبَرَاطُورَاً، وَرَغْمَ حِرِصِهِ عَلَى تَكْثِيرِ أَسْمَائِهِ وأَلْقَابِهِ الرَّسْمِيَّةِ حَيَاتَهُ كلَّها، بقيَ مُشَارَاً إليهِ بِاْسْمِ الحِذاَءِ الصَّغِيرِ حَتَّى أَدْرَجَهُ المؤرِّخُونَ فِي كُتُبِهِم بَلَقبِهِ الغَرِيبِ "أمبراطوراً حِذَاءً".

وللحق، فإن الإمبراطور نفسه لم يكن يخلو من غرابة، بل كان أولَ حُكَّامِ رُوما المجانين! كان يُحِبُّ اللَّهَوَ بالناس، قَالَ ذاتَ مَرَّةٍ إِنَّ رُوما حَدِيقَةُ مِنْ رُؤُوسٍ تَنْتَظِرُهُ لِيَحْصُدَها (ولا أدري إنْ كانَ الحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ سَمِعَ شَيْئَاً مِن قِصَصِ الإمْبَراطُورِ أَمْ أَنْ الشَّبه بَينَ كلام كاليغولا و«أَرَى رُؤُوسَاً قَدْ أَيْنَعَتْ» هُو مُجَرَّدُ تَوَارُدِ خَواَطِر)، وكان الإمبراطورُ يَدْعُو الأمراءَ والنُّبَلاءَ للمَبِيتِ فِي قَصْرِهِ ثُمَّ يُدخِلُ عَلِيهِمُ الأسودَ والسِّباعَ في مَخَادِعِهِمْ، أو يأمرُهُم بأكلِ الحجارةِ، فإن رفضوا قَتَلَهم. وكان يَأْمُرُ بِقَتْلِ الأطفالِ ثُمَّ يَنْظُرُ في الجُرح لاعْتِقَادِهِ أَنَّه يستطيعُ أن يَرَى المستَقْبَل في عُمْقِهْ، أو كان يظن أنه إذا أمعنَ في الجرحِ صَحْوَاً، فإنه سَيَرَى المستقبلَ في مَنَامِه. لم يترك الإمبراطور لأنصاره فرصةً للدفاعِ عَنْه، كان يَتَعَمَّدُ إظهارَ الجنونِ ليستمتعَ باندهاشِ رعاياهُ، وَرُعبِهِم، وانصياعِهم، معاً. حتى أنه، هدد مَرَّة فيما يبدو، أن يعَيِّنَ حصانَه الأثير «إنكيتاتُس» عضوا في مجلس الشيوخ. ولما أحسَّ أن الأمر ينفرطُ من تحتِ يديهِ، عَلِمَ أن إعلانَ حربٍ ما، أياً كانَتْ، يمكنُ أنْ يُوَحِّدَ الناسَ حَوْلَهْ، فَجَمَعَ الجيشَ وسارَ شمالاً ناوياً غَزْوَ بَرِيطَانَيا، فَلَمَّا وَصَلِ إلى الساحل بلاد الغال، وهي فرنسا اليوم، خاف على ما يبدو، فأمر جنودَه، بَدَلاً من غزوِ بريطانيا، أَن يَشُنُّوا الحرْبَ على نِبْتُون إلهِ البَحر، وأَصْدَرَ أَمْرَاً عسكرياً أن يَخُوضَ الخَيَّالَةُ والمشَاةُ في الموْجِ، وما إن فَعَلُوا مَذْهُولين، حَتَّى أعلن أَنْ البَحْرَ تَرَاجَعَ أمَامَهُ وأنَّه اْنْتصَر، وأَمَرَهُمْ بِجَمْعِ القَواقِعِ والصَّدَفِ من الشاطئِ كَغَنَائِم، وعَادَ بِهِمْ إلى رُوما. وفي روما، أعلنَ نَفْسَهُ إلهاً، وضم معبداً للإلهين التوأمين كاستور وبولوكس إلى قَصْرِهِ، فَجَعَلَ صَدْرَ المَعْبَدِ مكانَ شُرْفَةِ القَصْرِ، فإذا خَرَجَ إلى شُرْفَتِه ظَهَر وَاقِفَاً بين الصنمينِ كأنهُ ثالثُهما، ودَعَا الناسَ أن يقدموا له القرابينَ.
لم يحكم كاليغولا طويلاً، إذا أطاحَ بِهِ حَرَسُهُ بَعدَ أربعِ سنواتٍ مِنْ حُكمِه.
الحاكمون الآن طبعاً، أعْقَلُ بِكَثِير ...

Free Traffic Exchange