قد ينظر بانبهارٍ إلى النجوم التي تخترق الظلام، مَن يحدِّق في السماء في ليلةٍ صافية، سيجعل مثل هذا المنظر الأخاذ المرء بالطبع يتساءل: كيف بدأ هذا الكون الذي ندعوه وطننا؟ وما القوانين التي تحكمه؟
نظام السماوات
كان سؤال «كيف بدأ الكون؟» سؤالًا أذهل الناس عبر العصور. اتفق العديد من العلماء والفلاسفة على حقيقة واحدة بشأن أصل الكون، أي أنه كانت له بداية، وهي «الخَلق».
ولكن في أوروبا في القرن التاسع عشر، بدأت بعض الدوائر في معارضة هذه الحقيقة بصراحة، كان أساس معارضتهم عقيدة وضعها عدد من الفلاسفة اليونانيين، وهي تقليد فلسفي يُعرَف بـ «المادية». يعد هذا النظام الفلسفي - دون الاستناد إلى أي أسس علمية - المادةَ هي الأساس المطلق للوجود، رافضًا وجود أي شيء آخر.
أراد أصحاب النظرية المادية في القرن التاسع عشر - بتأثيرٍ من الفلاسفة اليونانيين القدماء - نقل هذه العقيدة إلى علم الفلك، ولذا زعموا أن الكون ليس له بداية وأنَّه في الحقيقة موجود منذ الأزل. وبهذه الطريقة، فقد أنكروا كذلك وجود خالق.
بعد سنوات، أثبت علم القرن العشرين بطلان هذه النظرة المادية. أظهرت الملاحظات والحسابات أنَّ الكون خُلِق بفعل انفجار كبير قبل حوالي 15 مليار عام. انتهى العالَم العلمي إلى تقبُّل حقيقة خلق الكون. وصرخ غلاف مجلة شهيرة بعنوان «العلم يعثر على الله». لنسافر الآن في الزمن إلى بداية القرن العشرين ونرى كيف تشكَّلت نظرية الانفجار الكبير.
العلم يكتشف الخَلق
عام 1922، أنتجت عالمة الفيزياء الروسية، ألكسندرا فريدمان، حسابات توضِّح أنَّ هيكل الكون لم يكُن ساكنًا وأنَّ أية نبضة صغيرة قد تكون كافية لجعل الهيكل بأكمله يتمدد أو ينكمش وفقًا لنظرية النسبية التي وضعها أينشتاين. في الحقيقة، بالنظر إلى الحسابات التي أجراها ألبرت أينشتاين في مجال الفيزياء النظرية، فإنَّه قد خلُص إلى أنَّ الكون لا يمكن أن يكون ساكنًا، ولكنه نحَّى هذه النتائج جانبًا كي لا يعارض الفكرة السائدة آنذاك والقائلة بكونٍ ساكن لا نهائي، وسوف يشير إلى هذا العزوف لاحقًا بأنَّه «أكبر زلة في حياته».
في الحقيقة، كانت بعض الأدلة التي تشير إلى وجود كونٍ متمدد قد اكتُشِفت بالفعل قبل عام 1922، كان هناك اعتقادٌ آنذاك بأنَّ هناك مجرة واحدة في الكون، وهي درب التبانة. ولكن في عام 1912، لاحظ عالم الفلك الأمريكي، فيستو ميلفن سليفر، سديمًا، بمعنى آخر جزءًا من مجرة، واستخدم قياسات الطول الموجي للضوء المنبعث من هذا السديم. أوضحت إزاحات الطول الموجي أنَّ السديم يبتعد، ولكن بسبب مستوى العلم البدائي في ذلك الوقت، لم يتمكَّن أحد من تفسير هذه المعلومة الثمينة تفسيرًا سليمًا.
كان التقويم يشير إلى عام 1929 عندما حدث أمر مختلف، كان العمال يصمِّمون مرآة عملاقة باستخدام أتُّون (موقد) صناعي ـ أكبر أتُّون بُنِي على الإطلاق - كانت هذه المرآة الضخمة ستوضَع في منظار أكبر وأقوى من الطُرُز السابقة، وكان من المقرَّر استخدام المنظار في مرصد جبل ويلسون في كاليفورنيا، والذي سيشهد أحد أهم اكتشافات التاريخ على الإطلاق.
كان إدوين هابل - عالم الفلك البارز في ذلك الوقت - وراء هذا الاكتشاف العظيم، كان هابل قد اكتشف سابقًا مجرات خارج درب التبانة التي نحيا فيها، وهكذا فقد أحدث ثورةً في رؤية البشرية للكون.
اكتشف ذلك العام اكتشافًا عظيمًا آخر بمنظاره الجديد في مرصد جبل ويسلون. فقد لاحظ، عبر أشهر من الرصد، أنَّ الضوء القادم من المجرات الأخرى مُنزاح نحو الأحمر،